فلينعم بك نعيم الآخرة

ـ1ـ
مَكْسُورَةٌ هِيَ الأَشْعَارُ
كَقُلُوبِ مُحِبِّيكَ..
وَكُلُّ الأَوْزَانِ الشِّعْرِيَّةِ مُنْتَفِضَةٌ
وَثَائِرَةٌ..
أَشْكَالُهَا الْهَنْدَسِيَّةُ تَغَيَّرَتْ
رَغْمَ مُعَارَضَةِ الْخَلِيلِ وَاحْتِجَاجاتِهِ..
صُرَاخُهَا يَصُمُّ الآذَانَ
وَمَا مِنْ مُصْغٍ إِلَيْهَا.
إرْفَعْ يَرَاعَكَ عَلَماً تَتَبَنَّاهُ..
أُنْصُبْ أَوْرَاقَكَ خِيَماً تَسْتَظِلُّهَا..
إِرْمِ صَوْتَكَ نَهْراً تَرْتَوِي مِنْهُ..
مَا خَانَتْكَ الأَوْزَانُ يَوْماً،
فَخُذْ بِيَدِهَا.
ـ2ـ
غِيَابُكَ أَذْهَلَ الْغُرْبَةَ،
لَفَحَهَا بِوَجَعِ الإنْتِظَارِ،
أَقْعَدَهَا عَنِ التَّفْكِيرِ،
فَرْفَطَ نَظَرَاتِها الْعَطْشَى لِرُؤْيَتِكَ،
وَسَمَّرَهَا عَلَى نَعْشِكَ الطَّاهِرِ
زُهُوراً لا تَذْبُلُ.
ـ3ـ
غِيَابُكَ هَمٌّ جَدِيدٌ
يُضَافُ إِلَى هُمُومِنَا الْحَيَاتِيَّةِ الْكَثِيرَةِ
وَيَتَغَلَّبُ عَلَيَهَا!!
كَيْفَ سَنَنْهَضُ وَكَبْوَتُنَا مُوجِعَةٌ؟
كَيْفَ سَنُواصِلُ السَّيْرَ
وَجَمِيعُ الدُّرُوبِ
تَشْمَئِزُّ مِنْ وَقْعِ خطوَاتِنَا؟!
حَتَّى زَغَارِيدُنَا بِتَحْرِيرِ الْجَنُوبِ،
جَاءَتْ مَبْتُورَةً..
وَحَزِينَةً!
أَيْنَ زَغْرَدَتُكَ بِالنَّصْرِ
تُلْهِبُ السَّاحَاتِ
وَتُبَلْسِمُ جِرَاحَ الْجَنُوبِيَّاتِ الثَّكَالَى؟!
غِيَابُكَ يَا صَدِيقِي نَعِيم خوري..
أَبْعَدُ مِنَ التَّبْرِيرِ
وَأَصْعَبُ مِنَ الْقُبُولِ!
ـ4ـ
يَا أَيُّهَا الْغَرِيبُ عَنْ أَرْضِهِ،
الْمَنْفِيُّ عَنْ مَرَابِعِ طُفُولَتِهِ،
الْمَشْلُوحُ عَلَى مَرافِىءِ الأمَلِ!
مَنْ مِثْلُكَ
تَمَكَّنَ مِنْ مَحْوِ غُرْبَتِنَا؟!
مَنْ مِثْلُكَ وَهبَنَا وَطَناً مِثَالِيّاً،
تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الشُّعُوبُ؟
بُيُوتُهُ
أَبْيَاتُكَ الشِّعْرِيَّةُ..
نَاسُهُ
مَقَالاتُكَ النَّثْرِيَّةُ..
تُرَابُهُ
حَفْنَةٌ مِنْ تُرَابِكَ الْخَالِدِ..
وَحَدَائِقُهُ
ابْتِسَامَاتٌ كُنْتَ تَسْتَقْبِلُنَا بِهَا،
وَتُوَزِّعُهَا عَلَيْنَا،
كَأَحْلَى الْعَطَايَا،
لَحْظَةَ الْوَدَاعِ.
كُنْتَ نَعِيمَنَا فِي حَيَاتِكَ..
فَلْيَنْعَمْ بِكَ نَعِيمُ الآخِرَةِ.
**